كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر- يعني: ابن المغيرة- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه: يا موسى، سألوك: هل يصلي ربك؟ فقل: نعم، إنما أصلي أنا وملائكتي على أنبيائي ورسلي. فأنزل الله عز وجل، على نبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى، يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41- 43]. وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155- 157]. وفي الحديث: «إن الله وملائكته يصلون على ميامِن الصفوف».
وفي الحديث الآخر: «اللهم، صل على آل أبي أوفى». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر- وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها- «صلى الله عليك، وعلى زوجك».
وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه، وكيفية الصلاة عليه، ونحن نذكر منها إن شاء الله تعالى ما تيسر، والله المستعان.
قال البخاري- عند تفسير هذه الآية-: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد، حدثنا أبي، عن مِسْعَر، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرَة قال: قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فَقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ فقال: «قولوا: اللهم، صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عُجْرَةَ فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا- أو: عرفنا- كيف السلام، عليك، فكيف الصلاة؟ قال: «قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم، من طرق متعددة، عن الحكم- وهو ابن عتبة زاد البخاري: وعبد الله بن عيسى، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكره.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا هُشَيْم بن بُشَير، عن يزيد بن أبي زياد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرَة قال: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. قال: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا السلام فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد». وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: وعلينا معهم ورواه الترمذي بهذه الزيادة.
ومعنى قولهم: «أما السلام عليك فقد عرفناه»: هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه، كما كان يعلمهم السورة من القرآن، وفيه: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».
حديث آخر: قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام فكيف نصلي عليك: قال: «قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم». وفي رواية: قال أبو صالح، عن الليث: «على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم».
حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا ابن أبى حازم والدّرَاوَرْدي، عن يزيد- يعني: ابن الهاد- قال: «كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» وأخرجه النسائي وابن ماجة، من حديث ابن الهاد، به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: قرأت على عبد الرحمن: مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرو بن سُلَيم أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وقد أخرجه بقية الجماعة، سوى الترمذي، من حديث مالك، به.
حديث آخر: قال مسلم: حدثنا يحيى التميمي قال: قرأت على مالك، عن نُعَيم بن عبد الله المُجمَّر، أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري- قال: وعبد الله بن زيد هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة- أخبره عن أبي مسعود الأنصاري- قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في مجلس سعد بن عُبَادة، فقال له بَشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد عَلِمْتُمْ».
وقد رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث مالك، به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن خُزَيمة، وابن حبّان، والحاكم في مستدركه، من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا: يا رسول الله، أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: «قولوا: اللهم، صَل على محمد وعلى آل محمد» وذكره.
ورواه الشافعي، رحمه الله، في مسنده، عن أبي هريرة، بمثله.
ومن هاهنا ذهب الشافعي، رحمه الله، إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته. وقد شَرَع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يُشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه قد تفرد بذلك، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم، فيما نقله القاضي عياض. وقد تَعَسّف القائل في رده على الشافعي، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك، وقال ما لم يحط به علما، فإنه قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن مسعود، وأبو مسعود البدري، وجابر بن عبد الله، ومن التابعين: الشعبي، وأبو جعفر الباقر، ومقاتل بن حيان. وإليه ذهب الشافعي، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضا، وإليه ذهب الإمام أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زُرْعَة الدمشقي، به. وبه قال إسحاق بن راهويه، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن الموّاز المالكي، رحمهم الله، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على الآل ممن حكاه البَنْدَنيجِيّ، وسُلَيم الرازي، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولا عن الشافعي. والصحيح أنه وجه، على أن الجمهور على خلافه، وحكوا الإجماع على خلافه، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث، والله أعلم.
والغَرَض أن الشافعي، رحمه الله، لقوله بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة- سَلَفٌ وَخَلَفٌ كما تقدم، لله الحمد والمنة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديما ولا حديثا، والله أعلم.
ومما يؤيد ذلك: الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي- وصححه- والنسائي وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، من رواية حَيْوة بن شُرَيْح المصري، عن أبي هانئ حميد بن هانئ، عن عمرو بن مالك أبي علي الجَنْبي، عن فضالة بن عبيد، رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته، لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجل هذا». ثم دعاه فقال له ولغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، عز وجل، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ثم ليدعُ بعد بما شاء».
وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه، من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار» ولكن عبد المهيمن هذا متروك. وقد رواه الطبراني من رواية أخيه أبي بن عباس، ولكن في ذلك نظر. وإنما يعرف من رواية عبد المهيمن، والله أعلم.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل، عن أبي داود الأعمى، عن بُرَيدة قال: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» أبو داود الأعمى اسمه: نفيع بن الحارث، متروك.
حديث آخر موقوف: رويناه من طريق سعيد بن منصور وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون، ثلاثتهم عن نوح بن قيس: حدثنا سلامة الكندي: أن عليا، رضي الله عنه، كان يعلم الناس هذا الدعاء: اللهم داحي المدْحُوَّات، وبارئ المسموكات، وَجَبَّار القلوب على فطْرَتها شقيها وسعيدها. اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك، على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما أغلق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل، كما حُمِّل فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، غير نَكل في قَدَم، ولا وهن في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك، حتى أورى قبسا لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، وأقام مُوضحات الأعلام، ومُنِيرات الإسلام ونائرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبَعيثُك نعمة، ورسولك بالحق رحمة. اللهم افسح له مُفسحَات في عدلك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك. مهنَّآت له غير مكدرات، من فوز ثوابك المعلول، وجزيل عطائك المجمول. اللهم، أعل على بناء البانين بنيانه وأكرم مثواه لديك ونزله. وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخُطَّة فصل، وحجة وبرهان عظيم.
هذا مشهور من كلام علي، رضي الله عنه، وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن في إسناده نظرا.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: سلامة الكندي هذا ليس بمعروف، ولم يدرك عليا. كذا قال. وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ، عن سعيد بن منصور، حدثنا نوح بن قيس، عن سلامة الكندي قال: كان علي، رضي الله عنه، يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: «اللهم، داحي المَدْحُوّات» وذكره.
حديث آخر موقوف: قال ابن ماجه: حدثنا الحُسَين بن بَيَان، حدثنا زياد بن عبد الله، حدثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي فَاخِتة، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه؛ فإنكم لا تدرون لعل ذلك يُعْرَض عليه. قال: فقالوا له: فَعَلّمنا. قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه مقاما محمودا يَغْبِطُه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وهذا موقوف، وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن عمرو- أو: عمر- على الشك من الراوي قريبا من هذا.
حديث آخر: قال قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا أبو إسرائيل، عن يونس بن خَبَّاب قال: خطبنا بفارس فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فقال: أنبأني من سمع ابن عباس يقول: هكذا أنزل. فقلنا- أو: قالوا- يا رسول الله، عَلمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارحم محمدا وآل محمد، كما رحمت آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد» فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو قول الجمهور: ويعضده حديث الأعرابي الذي قال: اللهم، ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حجرت واسعا».
وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه، قال: وأجازه أبو محمد بن أبي زيد.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي، فَلْيُقِلَّ عبد من ذلك أو ليكثر» ورواه ابن ماجه، من حديث شعبة، به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي، ويونس- هو ابن محمد- قالا حدثنا ليث، عن يزيد بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود، حتى خفت- أو: خشيت- أن يكون الله قد توفاه أو قبضه. قال: فجئت أنظر، فرفع رأسه فقال: «ما لك يا عبد الرحمن؟» قال: فذكرت ذلك له فقال: «إن جبريل، عليه السلام، قال لي: ألا أبشرك؟ إن الله، عز وجل، يقول: مَنْ صلى عليك صليت عليه، ومَنْ سَلَّمَ عليك سلمتُ عليه».
طريق أخرى: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، من عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة، فخر ساجدا، فأطال السجود، حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها، فدنوت منه ثم جلست، فرفع رأسه فقال: «مَنْ هذا؟» فقلت: عبد الرحمن. قال: «ما شأنك؟» قلت: يا رسول الله، سجدت سجدة خشيت أن يكون الله، عز وجل، قبض نفسك فيها. فقال: «إن جبريل أتاني فبشرني أن الله، عز وجل، يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه- فسجدتُ لله عز وجل، شكرا».